تداعيات الهجوم الإسرائيلي على قطر: مخاوف خليجية وتحول جيوسياسي

Sep 12, 2025 at 1:10 AM

أفادت صحيفة \"وول ستريت جورنال\" بوجود قلق متزايد لدى دول الخليج من دور إسرائيل المزعزع للاستقرار في المنطقة، وذلك عقب الغارة الجوية على الدوحة التي استهدفت قيادات من حركة حماس. يُشير التقرير إلى أن هذا الحادث ألقى بظلاله على العلاقات الدبلوماسية التي كانت دول الخليج تسعى لتعزيزها مع إسرائيل، وأعاد تقييم دور الولايات المتحدة كضامن للأمن الإقليمي.

تفاصيل الغارة وتداعياتها الجيوسياسية

في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر، نشرت صحيفة \"وول ستريت جورنال\" تقريراً أعده الصحفيون جاريد مالسين، سمر سعيد، وبينوا فوكون، يستعرض تبعات العدوان الإسرائيلي على قطر وتأثيره على دول الخليج بشكل عام. حيث أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على قادة حماس في الدوحة إلى تصاعد التوترات في علاقات إسرائيل مع الدول الخليجية. هذه الدول، التي كانت ترى في إسرائيل شريكاً محتملاً في تأمين مستقبل المنطقة من خلال القبول الدبلوماسي، باتت اليوم تُعيد النظر في هذا المنظور.

ووفقاً للمقال، فإن الهجوم الذي وقع في الحي الدبلوماسي الهادئ بالدوحة، وأسفر عن مقتل عدد من مسؤولي حماس وأحد أفراد الأمن القطري، أظهر أن إسرائيل اتخذت قراراً استراتيجياً بتأمين نفسها بالقوة العسكرية، حتى لو كان ذلك على حساب علاقاتها الدبلوماسية. كما أثار هذا الهجوم شكوكاً حول قدرة الولايات المتحدة على فرض ضبط النفس وتوفير الحماية في المنطقة، خصوصاً عندما تجد دول الخليج نفسها في مرمى النيران.

الدول العربية، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر، استنكرت الهجوم بشدة، واعتبرته انتهاكاً للقانون الدولي. وقد وصف أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، الضربة بـ \"الخيانة\"، بينما سارع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان إلى الدوحة للتعبير عن التضامن. وكان من المتوقع أيضاً أن يزور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان العاصمة القطرية.

الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، أدان الضربة، معرباً عن أسفه لوقوعها في قطر وتعهد بعدم تكرارها، لكنه أشاد أيضاً بقتل أعضاء حماس باعتباره \"هدفاً نبيلاً\". في ظل هذا السياق، تُقيّم دول الخليج الغنية في المنطقة المشهد الجيوسياسي المضطرب، وتتساءل عما إذا كانت إسرائيل شريكاً حقيقياً، أو تهديداً أمنياً، أو كليهما.

هذا التحول يُمثل قطيعة مع السنوات الماضية، عندما أقامت دولتان خليجيتان، الإمارات والبحرين، علاقات رسمية مع إسرائيل بموجب \"اتفاقيات إبراهيم\"، وكانت السعودية ودول أخرى تدرس خطوات تطبيع مماثلة. خالد الجندي، الباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون، أوضح أن الهدف من الاتفاقيات كان دمج إسرائيل كشريك متساوٍ في المنطقة، لكنها بدلاً من ذلك، تتصرف كقوة مهيمنة، مما أثار \"الندم على القبول\".

وجاء الهجوم على حماس في الدوحة بعد أشهر من التوتر المتزايد في علاقة إسرائيل بالخليج. وتوقف زخم التطبيع مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في حرب غزة، التي اندلعت بعد هجمات حماس على إسرائيل قبل حوالي عامين، وتضاؤل احتمال قيام دولة فلسطينية.

عندما هاجمت إسرائيل إيران في يونيو الماضي، كانت تواجه تهديداً مشتركاً. ولكن بينما استفادت الحكومات العربية من ضعف إيران، إلا أنها كانت قلقة من رغبة إسرائيل في استخدام تفوقها العسكري والاستخباراتي في المنطقة. وأثارت الضربات على القيادة العسكرية الإيرانية مخاوف من أن إسرائيل قد تسعى إلى تغيير النظام وتغرق المنطقة في سنوات من الفوضى، مما دفع الكثيرين للتساؤل عما إذا كانت هناك أي \"خطوط حمراء\" لا تزال قائمة.

آشر فريدمان، مدير معهد اتفاقيات إبراهيم للسلام في إسرائيل، أكد أن هناك قلقاً بين الدول الخليجية من أن إسرائيل أصبحت \"قوية عسكرياً بشكل مفرط وغير منضبطة\"، مما قد يؤدي إلى مزيد من الصراعات الإقليمية وعدم الاستقرار.

هذا الهجوم يضع دول الخليج في مأزق بشأن كيفية الرد. وقد أفادت مصادر مطلعة أن مسؤولين خليجيين أجروا مكالمات لمناقشة الحاجة إلى رد قوي وموحد على إسرائيل، لكنهم لم يتوصلوا بعد إلى تفاصيل محددة. كما يخطط كبار المسؤولين السعوديين لإبلاغ الولايات المتحدة بأن \"التطلعات الأمريكية للسلام من خلال التكامل الإقليمي معرضة للخطر\".

عبد الخالق عبد الله، عالم سياسي إماراتي بارز، وصف الوضع بأنه \"تحول كبير\"، مؤكداً أنهم يرون إسرائيل الآن \"قوة رئيسية مزعزعة للاستقرار في المنطقة\".

قطر من جانبها، أشارت إلى أنها ستعلق دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس. وأشار حسين إبيش، الباحث المقيم الأول في معهد دول الخليج العربية، إلى أن \"تنسيقها مع إسرائيل بشأن القضايا الأمنية خارج نطاق العلاقات الدبلوماسية الرسمية سيتضرر بشدة أيضاً\". ومع ذلك، يعتقد إبيش أن دولاً مثل قطر من المرجح أن تبطئ عملية تحسين العلاقات بدلاً من وقف التعاون تماماً، نظراً لاعتمادها الكبير على الولايات المتحدة.

كما تُعيد دول الخليج النظر في مستقبل اعتمادها على الولايات المتحدة، التي تحافظ على وجود قوي في المنطقة لحماية حلفائها وتأمين إمدادات الطاقة العالمية. وقد استثمرت دول الخليج بكثافة في علاقاتها مع واشنطن، خاصة خلال إدارة ترامب الذي كان يُفضل أسلوبه الشخصي والتعاملي في الدبلوماسية وموقفه الأكثر عدوانية تجاه إيران.

وقد زار ترامب الرياض وعواصم خليجية أخرى في مايو، حيث استقبله أمراء عرب في قصورهم الفخمة، وأشاد باستقرارهم وازدهارهم. لكن الحرب مع إيران، التي تجاوزت حدود دول الخليج، والهجوم على الدوحة، دفع الدول إلى التساؤل عما إذا كانت استثماراتها تؤتي ثمارها في النفوذ أو السلامة. كما أن استعداد أمريكا لحماية دول الخليج أصبح موضع تساؤل في الماضي، خصوصاً بعد هجوم 2019 بطائرات مسيرة وصواريخ على منشآت نفط سعودية، وهجوم صاروخي إيراني على قاعدة جوية أمريكية في قطر خلال الصيف.

وقالت دانا شيل سميث، السفيرة الأمريكية السابقة في قطر، إنه \"مع انهيار السلام مرتين في غضون ثلاثة أشهر، أتخيل أن الناس في جميع أنحاء الخليج بدأوا يشككون في مصداقية الولايات المتحدة كشريك أمني\".

على عكس جيرانها مثل سوريا ومصر، لم تدخل دول الخليج في صراع مسلح مباشر مع إسرائيل، نظراً لثروتها النفطية ونفوذها العالمي. وتصنف الولايات المتحدة قطر كـ \"حليف رئيسي من خارج حلف الناتو\"، وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة. وقد راهنت قطر على علاقاتها مع واشنطن، وقدمت طائرة كبيرة للحكومة الأمريكية لاستخدامها مستقبلاً كطائرة الرئاسة.

لطالما واجهت دول الخليج تهديدات أمنية كبيرة من جهات أخرى، مثل غزو العراق للكويت، وتحشيد إيران لترسانة صواريخها، وهجمات الحوثيين على السعودية. وقد شجعت إدارتا ترامب وبايدن إسرائيل ودولاً مثل السعودية على تطبيع العلاقات، في خطوة كان يُفترض أن تدمج الشرق الأوسط اقتصادياً وتنهي عقوداً من المقاطعة الدبلوماسية. وقبل عام 2020، كانت مصر والأردن الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين تربطهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

بعد توقيع \"اتفاقيات إبراهيم\"، وسّعت الولايات المتحدة قيادتها العسكرية في الشرق الأوسط لتشمل إسرائيل، مما ساعد إسرائيل على مواجهة تهديدات الصواريخ والطائرات المسيرة من إيران. لكن هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023 أدت إلى تحول في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، حيث أظهرت البلاد ميلاً كبيراً للمخاطرة واستعداداً لاستخدام تفوقها العسكري والاستخباراتي لضرب \"أعداء مفترضين\" في جميع أنحاء المنطقة.

ويُشير التقرير إلى أن النهج الإسرائيلي الجديد، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يحمل مزايا ومخاطر في آن واحد. وقال إلداد شافيت، ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق: \"من ناحية، أصبحت إسرائيل الآن قوة يمكنها زعزعة استقرار الوضع في وقت قصير. ومن ناحية أخرى، فإن إسرائيل قوة قوية حقاً تمتلك الاستخبارات والقدرة العسكرية للقيام بأشياء لا يمكن تصورها\".

ومن الاعتبارات الأخرى لدول الخليج أن مواطنيها متعاطفون بشكل كبير مع الفلسطينيين. ورغم أن قادتهم غير منتخبين، إلا أنهم قلقون سراً بشأن استمرارهم على المدى الطويل، خاصة بعد أن أطاحت الاحتجاجات بزعماء مصر ودول أخرى عام 2011.

وقال يوسي ميكلبيرغ، الزميل الاستشاري الأول في تشاتام هاوس بلندن: \"ما لا يأخذه نتنياهو في الاعتبار، وترفض إسرائيل أخذه في الاعتبار، هو أن هناك أيضاً جمهوراً محلياً لما تفعله هذه الحكومات. في الواقع، تتحمل هذه الحكومات الكثير، ولكن عندما تتحمل هذا، فهذا يعني أن هناك ثمناً محلياً\".

تُظهر هذه التطورات أن المنطقة العربية تشهد تحولات عميقة في التحالفات والتهديدات، وأن الغارة على الدوحة كانت بمثابة نقطة تحول أعادت رسم الخرائط الجيوسياسية، مما يتطلب من جميع الأطراف إعادة تقييم استراتيجياتها ومستقبل علاقاتها.

You May Like